الحرية وضوابطها في الإسلام

الحرية وضوابطها في الإسلام

عدنان بن عبد الله القطان

9 صفر 1445هـ – 25 أغسطس 2023 م

———————————————————————————

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وأنعم عليه بالإيمان والإحسان في كل زمان ومكان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كرم بني آدم وحملهم في البر والبحر، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، إمام العادلين وسيد المجاهدين، حرر الإنسان من العبودية واحترم حرية الرأي والكلمة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)

معاشر المسلمين: الحرية كلمة ينشد حقيقتها كل فرد ويسعى إليها، وجاء الإسلام ليضمن الحرية للإنسان؛ لأن الحرية إحدى مقومات الشخصية، وأساس أي مجتمع إنساني، وقد حرص الإسلام على تربيتها وتهذيبها وتقويمها، حيث ضمن الإسلام للمسلم الحرية الشخصية؛ وحرية الرأي، وحرية العمل، وحرية المأوى، وحرية التملك، وحرية التعلم.

والحريات تتعدد في الإسلام فتشمل كل جوانب الحياة، ولم تكن الدنيا تعرف من قبل حريةً بالمعنى الذي جاءت في رسالة الإسلام، وإن دعوة الإسلام للحرية لتبدأ بتوحيد الله الذي حرر الإنسان من الشرك؛ أي من عبادة غير الله. الحرية الصادقة لا تكون إلا بالتذلل لله والعبودية له؛ ففي العبودية لله يتحرر المسلم من سلطان الشهوة والشبهة، ومن رق المال: يقول تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) وأي حرية أعظم من حرية المصلي في المسجد، وهو متحرر من كل عبودية، إلا عبوديته لله رب العالمين؟ له وحده يركع ويسجد، ولوجهه وحده يذل ويخضع ويخشع! إن التحرر الحقيقي يعني الخضوع لله وحده، وأخذ منهجه دون سواه، والتحاكم إلى تعاليمه وشرعه، فإن رفض البشر هذه العبودية لله الواحد الأحد؛ فإنهم سيعبِّدون أنفسهم إلى مخلوقات مساوية لهم وهم البشر!

عباد الله: لقد كفل الإسلام للإنسان أن يعيش آمناً لا يعتدي عليه أحد، ومنعه أن يعتدي على الآخرين: (فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)

أعطاه الإسلام الحق في أن يتصرف في أمور نفسه، وحمله مسؤولية هذا التصرف: يقول تعالى (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) وأعطاه حرية التفكير والتأمل في خلق الله عز وجل: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ)

كما أعطاه حرية الحركة والسير في الأرض والاستمتاع بخيراتها: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) ومنع الإسلام الإكراه في الدين: يقول تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وإسلام المكره لا يُعتَدُّ به، فالإسلام يقيم رسالته على القناعة، ووسيلته في ذلك الحجة الدامغة والبرهان الساطع... الإنسان حرٌّ، لكنها حرية تتضمن مسؤولية مناطة بالابتلاء والامتحان: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) فلا حرية في الإسلام دون مسؤولية وحساب.

ومن أعطي الحرية؛ فإن من العدالة أن يصبح مسؤولاً عن عمله فيجازى عليه.

أيها المؤمنون والمؤمنات: في تاريخ الإسلام تتجلى معاني الحرية، فحرية الرأي والتعبير مثلاً  نراها في موقف الحُباب بن المنذر رضي الله عنه الذي أبدى رأياً شخصيًّاً غير رأي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، والصحابة أدلوا بآرائهم في حادثة الإفك وغير ذلك من المواقف، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قال في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: (فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني، أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم) وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للناس: (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها.)… أيها المؤمنون: الحرية التي يريدها الإسلام هي الحرية المنضبطة التي تبني الشخصية، وتحرس الأمن، وتحفظ النفس والفطرة، وتقيم الحق والعدل، وإذا تجاوز أي إنسان حدود وضوابط الحرية؛ فإنه يؤذي نفسه ودينه ومجتمعه ووطنه وأمته، وواجب الأمة حماية الحرية؛ حتى لا تفضي إلى الهدم. إننا نتعرف على مفهوم الحرية من ديننا وشريعتنا، ولا تُنشد الحرية في نظم أرضية ومناهج وضعية، في ظل الحرية في الإسلام يسعى مفكروها والعقلاء إلى بناء المفاهيم وزرع الوازع ويحافظون على الأمة من الفوضوية.. يُفتن كثيرٌ من الناس بمصطلح الحرية وشعار الحرية، ويروِّج لها أعداء الإسلام، ويوسِّعون دائرتها، لتحقيق أهدافهم من تدمير القيم الدينية والخُلُقية، وإماتة الوازع الديني والخُلُقي، وتحطيم النظم الاجتماعية. والحرية ككلِّ معنًى كريم؛ عرضة للتلاعب والتحريف والاستغلال؛ فالمجرم يفهم الحرية على أنها ممارسة السلب والنهب والقتل، والمحتال يفهم الحرية على أنها سلبَ واختلاس الأموال وممارسة الغش والاحتكار، وحيل المضاربات والقمار، وقد يصور للمرأة الحرية انفلاتها من ضوابط العفة والحشمة والقوامة وأي ضابط خُلُقي!! يخطئ من يجعل الحرية مركباً يستبيح بها كل شيء دون ضوابط، فليس من الحرية أن يرضي الإنسان شهوته، ويسبب آلام الآخرين، وليس من الحرية أن يدمن الإنسان المسكرات والمخدرات والمحرمات ويترك وراءه ذرية ترث العاهات والأسقام والأمراض.

الحرية الفكرية عند مَنْ يخطئ فهمها: هي أن تجهر بشتم عقيدة الأمة وقرآنها ونبيها، والاستخفاف بالدين! والحرية الشخصية عند آخرين: هي أن تعمل ما تشاء، وترتكب من المنكرات والفواحش ما تريد، دون أن تحد تصرفاتك آداب المجتمع أو تعاليم الدين!! لا شك أن فهم الحرية على هذا النحو يسوق المجتمع إلى الدمار، ويعرض ثوابته للخراب، وأي تماسك يبقى في المجتمع وكل فرد فيه يعمل بما يرى، ولو ضرَّ ذلك الآخرين؟! وحين تجوب بناظريك في العالم؛ ترى أمواج المظالم تتدافع في مواقع من بقاع الأرض، حيث ترتكب أفظع الجرائم في تاريخ الإنسان باسم الحرية، يسحق الإنسان، وتسحق المبادئ والمثل والأخلاق والقيم باسم الحرية! كما بدأت مظاهر الردة عن الإسلام تتوالى باسم الحرية! ويُعلن الكفر والإلحاد ويُفتخر به باسم الحرية! ويُسب الله ورسوله ودينه باسم الحرية! والمرأة المسلمة تتبرج وتتعرى وتنزع الحجاب وتفتن الرجال والشباب باسم الحرية! ويتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ويروج للمثلية والشذوذ الجنسي وتفسد الأجيال باسم الحرية!!!

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الإسلام وضع الإطار المتين الذي يحمي هذه الكلمة البراقة من الانحدار إلى الهاوية، وحدد معالمها الصحيحة؛ حتى لا تستغل هذا الاستغلال السيئ في تدمير المجتمعات. كما أن الحرية في الفكر والرأي محكومة بقواعد الشريعة، التي أنزلها الله لعباده، ولا تعني الانفلات والتسيب وزعزعة الثوابت والشطط في التفكير، والتطاول على المبادئ والقيم وما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

لا تعني حرية الرأي ما يذهب إليه بعض الناس من أن يعلن إلحاده، ويهاجم العقيدة الإسلامية، بحجة تحرير الفكر من الجمود أو الخرافة أو الطغيان، وليس للكاتب أو الأديب أو المثقف أن يفهم الحرية بأن يقول ما يقول؛ فالحرية تُمارس لكن في إطار النظام العام وميزان الشريعة، وإذا انحرف الكاتب أو تجاوز حدود الشريعة؛ صودرت حريته، وحوسب من قبل الدولة المسلمة، ومن استغل الحرية للتعدي على ثوابت الدين ومسلمات الشريعة، وعمل على إضلال الناس؛ فإن حقه العقوبة والحجر، فإذا كان معنى الحرية أن يخرَّب المجتمع المسلم وتنتقض أسسه التي قام عليها؛ فهذا غير مقبول، ونحن بحاجة إلى أن نفهم الحرية من نصوص الوحي، لا من خلال تصورات بشرية قائمة على الأهواء والشهوات والمصالح؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)

عباد الله: لقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً من أروع الأمثلة، يبين الحد الفاصل بين الحرية والفوضى: (كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًاً ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعاً).  فأنت ترى هؤلاء الحمقى أرادوا أن يستعملوا حريتهم فيما يخصهم، ولكنهم يجب أن يُمنعوا من استعمالها؛ إبقاءً على حياة السفينة ومَنْ فيها! في هذا المثل الرائع عباد الله يتبين الموقف ممن يسيئون استعمال حريتهم الشخصية بما يؤذي الأمة ويضر الوطن ويفسد الأمر على الناس جميعاً، فدائرة حرية الفرد تتسع في نظر الإسلام مادام لا يؤذي بهذه الحرية نفسه، أو دينه، أو مجتمعه، أو وطنه، أو ولاة أمره، أما إذا استغل هذه الحرية للإضرار بنفسه أو الإضرار بدينه أو إيذاء مجتمعه ووطنه؛ عند ذلك يقف الإسلام في وجهه، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا.

اللهم أَرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلنا يا ربنا ممن قلت فيهم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)

 نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله أهل الثناء والحمد، نحمده ونشكره على نعمه وذلك أحق ما قال العبد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: لقد رسمت الشريعة الإسلامية خارطة طريق للإنسان حول مدى حريته في التعبير عن رأيه. فالحرية في التعبير عن الرأي في الإسلام مصونة، ولكنها محكومة بضوابط وموازين تعصمها من اختراق حرمات الآخرين وحقوقهم. ولقد مثّل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) مثل ضابطاً قوياً وواضحاً، في أن المسلم مأمور ألا يقول إلا الحق، ولا يخبر إلا بالصدق، بعيداً كل البعد عن الكذب الذي يعصف ببنيان أي مجتمع ينتشر فيه، وما الإشاعة وخطرها وعواقبها ببعيدة عن أذهاننا. وكذا ما يتعلق بالغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية من الآخرين، ولقد قال الله تعالى محذراً من ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ، وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). وعليه فلا يجوز لمسلم وبدعوى حرية التعبير أن يسخر أو يستهزئ أو يغتاب أحداً... وليس من حرية التعبير السخرية من عبادة ومعتقدات الآخرين، وعليه فلم يؤثر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد سخروا من عبادة غيرهم، وإنما كان الأمر أنهم كانوا يبينوا لهم الحق، وأن الحق في اتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه، وهذا من باب النصيحة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن باب محبة الخير للآخرين حتى يكونوا من الناجين يوم القيامة. ولذلك فقد جعل الإسلام من الكلمة الطيبة صدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) ومعلوم أن الكلمة لا تكون صدقة إن كان بها انتقاص أو سخرية أو استهزاء أو استصغار لغيره، وبالتالي فحرية التعبير لا تكون إلا بما يؤدي إلى حفظ كرامة وحقوق الآخرين، ولا يصادم ما أمر به الله تعالى من أوامر ونواه .يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) ولا تكون حرية التعبير كذلك بالسب واللعن والكلام الفاحش البذيء، يقول صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيء).. وليس من حرية التعبير أن تطال المقدّسات الدينية والثوابت الشرعية كأصول الاعتقاد والنصوص القطعية، فلا حرية ولا تسامح مع الآراء المعاكسة للشريعة تحت أي شعار كانت وإلا لتهدم بنيان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيدي السفهاء... إذن فالمسلم له مساحة من التعبير عن رأيه وفكره، نقداً واصلاحاً ونصيحةً، ولكن هذه الحرية الممنوحة للمسلم محكومة بما لا يمسّ حرية وحق غيره، يقول عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع: إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت) ويقول كذلك: (لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكم على بَيْعِ بعضٍ، وكُونوا عبادَ الله إخواناً، المسلمُ أخُو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَكذبه ولا يَحْقِرُه، التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بِحَسْبِ امرِئٍ من الشَّرِّ أن يَحْقِرَ أخَاه المسلمَ، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وعِرْضُهُ)

اللهم احفظ ألسنتنا عن كلّ ما لا يرضيك قوله، واجعل لنا عليها سلطاناً فلا نقول إلا حقاً، ولا نشهد إلا صدقاً يا رب العالمين... اللّهمّ اعصِمنا من الزَّلَل ونجِّنا من سوءِ الأقوال والأخلاق والأعمال، اللَّهمّ احفظ ألسِنتنا من الغيبة والنميمة، والطعنِ، والهمز، واللَّمز، والسبِّ، والأذى.. اللهمّ انزع من قلوبنا الرياء، والسمعة، والغيبة، والنميمة، والكُره والبُغض، والحسد، واحفظ ألسِنتنا عن الأذى والكلام الذميم يا سميع الدعاء.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسق والعصيان واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وخليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم ولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ووحد صفوفهم، يا سميع الدعاء. اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين… اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم والدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين،

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

 

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين